سورة الفرقان - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} بالقيامة، {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} نارًا مستعرة. {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} قال الكلبي والسدي: من مسيرة عام. وقيل: من مسيرة مائة سنة. وقيل: خمسمائة سنة. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا». قالوا: وهل لها من عينين؟ قال: نعم ألم تستمعوا قول الله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}.
وقيل إذا رأتهم زبانيتها. {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} غليانًا، كالغضبان إذا غَلَى صدره من الغضب. {وَزَفِيرًا} صوتًا. فإن قيل: كيف يسمع التغيظ؟ قيل: معناه رأوا وعلموا أن لها تغيظًا وسمعوا لها زفيرًا، كما قال الشاعر:
ورأيتُ زوجَكِ في الوَغَى *** مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا
أي وحاملا رمحًا. وقيل: سمعوا لها تغيظًا، أي: صوت التغيظ من التلهب والتوقد، قال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى مَلَك مُقرَّب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لوجهه.


{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} قال ابن عباس: تضيق عليهم كما يضيق الزجُّ. في الرمح، {مُقَرَّنِينَ} مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل، {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} قال ابن عباس: ويلا. وقال الضحاك: هلاكًا، وفي الحديث: «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه، وذريتُه من خلفه، وهو يقول: يا ثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار فينادون: يا ثبوراه، وينادي: يا ثبورهم، فيقال لهم {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}» قيل: أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة، فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل: {قُلْ أَذَلِكَ} يعني الذي ذكرته من صفة النار وأهلها، {خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً} ثوابًا، {وَمَصِيرًا} مرجعًا.


{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا} مطلوبًا، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا: {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} [آل عمران- 194]، يقول: كان أعطى الله المؤمنين جنة خلد وعدًا، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك. قال محمد بن كعب القرظي: الطلب من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم: {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} [غافر- 8]. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، ويعقوب، وحفص: {يحشرهم} بالياء، وقرأ الباقون بالنون، {وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال مجاهد: من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير. وقال عكرمة والضحاك والكلبي: يعني الأصنام، ثم يخاطبهم {فَيَقُولُ} قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء، {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} أخطأوا الطريق. {قَالُوا سُبْحَانَكَ} نزهوا الله من أن يكون معه إله، {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} يعني: ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم. وقيل: ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك. وقرأ أبو جعفر {أن نُتَّخَذَ} بضم النون وفتح الخاء، فتكون {من} الثاني صلة. {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن. وقيل: تركوا ذكرك وغفلوا عنه، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} يعني هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان، رجل يقال له بائر، وقوم بور، وأصله من البوار وهو الكساد والفساد، ومنه بوار السلعة وهو كسادها. وقيل هو اسم مصدر كالزور، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث. {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} هذا خطاب مع المشركين، أي: كذبكم المعبودون، {بِمَا تَقُولُونَ} إنهم آلهة، {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} قرأ حفص بالتاء يعني العابدين، وقرأ الآخرون بالياء يعني: الآلهة.
{صَرْفًا} يعني: صرفًا من العذاب عن أنفسهم، {وَلا نَصْرًا} يعني: ولا نصر أنفسهم. وقيل: ولا نصركم أيها العابدون من عذاب الله بدفع العذاب عنكم. وقيل: الصرف: الحيلة، ومنه قول العرب: إنه ليصرف، أي: يحتال، {وَمَنْ يَظْلِمْ} يشرك، {مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8